لا تحزن
اللهم فاجعلْ مكان اللوعة سلْوة ، وجزاء الحزنِ سروراً ، وعند الخوفِ أمنْاً. اللهم أبردْ لاعِج القلبِ بثلجِ اليقينِ ، وأطفئْ جمْر الأرواحِ بماءِ الإيمانِ .
تذكُّرُ الماضي والتفاعلُ معه واستحضارُه ، والحزنُ لمآسيه حمقٌ وجنونٌ ، وقتلٌ للإرادةِ وتبديدٌ للحياةِ الحاضرةِ. إن ملفَّ الماضي عند العقلاء يُطْوَى ولا يُرْوى ، يُغْلَقُ عليه أبداً في زنزانةِ النسيانِ ، يُقيَّدُ بحبالٍ قوَّيةٍ في سجنِ الإهمالِ فلا يخرجُ أبداً ، ويُوْصَدُ عليه فلا يرى النورَ ؛ لأنه مضى وانتهى ، لا الحزنُ يعيدُهَ ، ولا الهمُّ يصلحهُ ، ولا الغمَّ يصحِّحُهُ ، لا الكدرُ يحييهِ ، لأنُه عدمٌ ، لا تعشْ في كابوس الماضي وتحت مظلةِ الفائتِ ، أنقذْ نفسك من شبحِ الماضي ، أتريدُ أن ترُدَّ النهر إلى مَصِبِّهِ ، والشمس إلى مطلعِها ، والطفل إلى بطن أمِّهِ ، واللبن إلى الثدي ، والدمعة إلى العينِ ، إنَّ تفاعلك مع الماضي ، وقلقك منهُ واحتراقك بنارهِ ، وانطراحك على أعتابهِ وضعٌ مأساويٌّ رهيبٌ مخيفٌ مفزعٌ .
إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءُ ، اليوم فحسْبُ ستعيشُ ، فلا أمسُ الذي ذهب بخيرِهِ وشرِهِ ، ولا الغدُ الذي لم يأتِ إلى الآن . اليومُ الذي أظلَّتْكَ شمسُه ، وأدركك نهارُهُ هو يومُك فحسْبُ ، عمرُك يومٌ واحدٌ ، فاجعلْ في خلدِك العيش لهذا اليومِ وكأنك ولدت فيهِ وتموتُ فيهِ ، حينها لا تتعثرُ حياتُك بين هاجسِ الماضي وهمِّهِ وغمِّهِ ، وبين توقعِ المستقبلِ وشبحِهِ المخيفِ وزحفِهِ المرعبِ ، لليومِ فقطْ اصرفْ تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدَّك وجدَّك ، فلهذا اليومِ لابد أن تقدم صلاةً خاشعةً وتلاوةً بتدبرٍ واطلاعاً بتأملٍ ، وذِكْراً بحضورٍ ، واتزاناً في الأمور ، وحُسْناً في خلقِ ، ورضاً بالمقسومِ ، واهتماماً بالمظهرِ ، واعتناءً بالجسمِ ، ونفعاً للآخرين .
* أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ * لا تستبقِ الأحداث ، أتريدُ إجهاض الحملِ قبْل تمامِهِ؟! وقطف الثمرةِ قبل النضج ؟!
إنَّ غداً مفقودٌ لا حقيقة لهُ ، ليس له وجودٌ ، ولا طعمٌ ، ولا لونٌ ، فلماذا نشغلُ أنفسنا بهِ ، ونتوجَّسُ من مصائِبِهِ ، ونهتمُّ لحوادثهِ ، نتوقعُ كوارثهُ ، ولا ندري هلْ يُحالُ بيننا وبينهُ ، أو نلقاهُ ، فإذا هو سرورٌ وحبورٌ ؟!
المهمُّ أنه في عالمِ الغيبِ لم يصلْ إلى الأرضِ بعْدَ ، إن علينا أنْ لا نعبر جسراً حتى نأتيه ، ومن يدري؟ لعلَّنا نقِف قبل وصولِ الجسرِ ، أو لعلَّ الجسرَ ينهارُ قبْل وصولِنا ، وربَّما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلامٍ.